الاثنين، 11 فبراير 2013

زيّ المرأة العربية الليبية في القرن السادس عشر


زيّ المرأة العربية الليبية في القرن السادس عشر
مجلة تراث الشعب التي تصدر عن وزارة الثقافة : العدد(2)1990م.

     يعدّ "نيكولاي دي نيكولاي" إحدى الشخصيات البارزة في بلاط الملك الفرنسي هنري الثاني (1547 – 1559). تقلّد عدّة وظائف لعلّ من أبرزها"
     عالم في مظهر الكون وتركيبه، وجغرافي، ورسّام، بالإضافة إلى أنّه كان عميلاً سرّياً للملك هنري الثّاني نفسه وكان "نيكولاي دي نيكولاي" مولعاً بالرحلات وحب المغامرة، وقد ابتدأ رحلاته تلك منذ سنّ الخامسة والعشرين ثم استمرت تلك الرحلات أكثر من خمس عشرة سنة، زار خلالها معظم أوروبا الغربية، ابتداءً من ألمانيا شمالها وجنوبها، فالدنمارك، والسويد، والنرويج، ثم بريطانيا، أسبانيا، ومنها انتقل إلى شمال أفريقيا فزار الجزائر، ثم رجع إلى مالطا، ومنها إلى طرابلس، ثم اتجه إلى تركيا واليونان، وأخيراً إيطاليا.

     كلّف "نيكولاي دي نيكولاي" في شهر مايو عام 1551م بالتوجه إلى القسطنطينية مع "جابريال دي أرفون"، الذي عين سفيراً من قبل هنري الثّاني، لدى السلطان العثماني سليمان القانوني، فاختار السفير الفرنسي ورفيقه السفر عن طريق البحر، لكي يتجنبا مشاق السفر عن طريق البر، فبدأت الرحلة من مدينة ليون عبر نهر الرون حتى مرسيليا، أبحرت السفينة من مدينة مرسيليا يوم 14 من يوليو، حيث اتجهت في البداية إلى جزر الباليار ومنها إلى الجزائر.
     بعد توقف بسيط بالجزائر توجها إلى مالطا التي حلاّ بها في اليوم الأول من شهر أغسطس 1551م. لقد كان في استقبال الفرنسيين في جزيرة مالطا قائد فرسان القديس يوحنا شخصياً، وكان الاستقبال حاراً مبالغاً فيه، والسبب في ذلك هو كسب ودّ السفير الفرنسي ومحاولة إقناعه بالتوسط لدى سنان باشا بالتخلي عن محاصرة مدينة طرابلس، وبذلك تظل هذه المدينة تابعة لفرسان القديس يوحنّا كما كانت من قبل، فجرى إقناع السفير الفرنسي بالمهمة بسهولة تامة. وبالفعل فقد توجه إلى طرابلس للقيام بعملية الوساطة المطلوبة، لكن السلطات العثمانية رفضت هذا التدخل من قبل السفير الفرنسي، وتم الاستيلاء على مدينة طرابلس وتخليصها من أيدي فرسان القديس يوحنّا في نفس الوقت الذي كان فيه السفير الفرنسي و"نيكولاي دي نيكولاي" موجودين بالمدينة وفي أثناء إقامتهما بطرابلس حضرا المأدبة الكبرى التي أقامها الأتراك يوم 16 من أغسطس 1551م بمناسبة انتصارهم على فرسان القدّيس يوحنّا. لقد استغل الرحالة الفرنسي "نيكولاي دي نيكولاي" إقامته بمدينة طرابلس فطلب السماح له بزيارة المدينة وتسجيل بعض انطباعاته حول بعض المباني القديمة كقوس النصر والقلعة والأسوار العالية التي كانت تحيط بالمدينة.
     لقد قام "نيكولاي دي نيكولاي" بنشر ملاحظاته حول الرحلات العدّة التي قام بها خلال ستّ عشرة سنة في كتاب أسماه "الكتب الأربعة الأولى حول الملاحة والرحلات الشرقية"، وقد كان ذلك عام 1567م. فحاز الكتاب نجاحاً منقطع النظير، حتى أنّه ترجم إلى عدّة لغات حية. لقد وفّر لنا هذا الكتاب حكايات جذابة مملوءة بالأخبار التاريخية والاجتماعية والسياسية لكثير من الشعوب في ذلك العصر، كما وفّر لنا معرفة الكثير من الأزياء التقليديّة لمعظم المدن التي قام بزيارتها عن طريق الرسومات التي أعدّها ضمن نص الكتاب، وقد أفرد الرحالة في كتابه وصفاً مفصّلاً لمدينة طرابلس، أشار في باديته إلى قوس ""ماركوس أوريليوس ولوكيوس فيروس"، حيث ذكر أن القوس يقع وسط المدينة، كما وصف هذا المبنى الأثري من الداخل والخارج أحسن وصف. لكن الذي يثير الانتباه في هذا الوصف قوله: إن القوس من الداخل يسيل على جدرانه آثار زيت المصابيح. أيضاً تزدان جدرانه بزخارف جصية. أما من الخارج فإن القوس يعلوه برج مربع الشكل. ونحن نعتقد أن آثار الزيت المنسكب من المصابيح، والزخارف الجصية التي تزين الجدران وأيضاً البرج المربع الذي يعلو المبنى من الخدرج، كلها دلائل على أن المبنى استعمل كمسجد. وبالفعل فإن كل القرائن تدل على أن هذا القوس استعمل مسجداً يصلّى فيه.
     وذكر "نيكولاي دي نيكولاي" بعد الانتهاء من وصف قوس ماركوس أوريليوس، أن المدينة تزدان بالكثير من الآثار القديمة الأخرى وأشار إلى وجود ساحة كبيرة مربّعة الشكل يحيط بها صفاّن من الأعمدة الفخمة العالية، وتبدو للمشاهد على هيئة أروقة. ويعتقد الرحالة أن هذه البقايا ربما تكون آثار معبد أو مسجد، أشار أيضاً إلى وجود العديد من البقايا الأثرية الأخرى المتناثرة، حيث يمكن مشاهدة الأعمدة، والتيجان، والعوارض والأفاريز في كل ركن من أركان المدينة.
     وبع أن انتهى "نيكولاي دي نيكولاي" من وصف المدينة وآثارها، اتجه إلى الرّسم، حيث قام برسم امرأة من مدينة طرابلس ترتدي الزّي التّقليدي وتحمل بين ذراعيها طفلاً رضيعاً، ويبدو من الرسم أن هذه المرأة قد فرغت من إرضاع طفلها منذ لحظات (انظر الشكل).
     يتميّز هذا الرسم بأنه يعطينا فكرة واضحة عن اللّباس التّقليدي للمرأة الطّرابلسيّة قبل الاحتلال التّركي للمدينة. ويلاحظ أن هذا الزّي يختلف اختلافاً كبيراً عن الزّي المعروف في الوقت الحاضر والذي دخلت عليه الكثير من التّأثيرات التركية.
     فهل يلفت نشر هذا الرّسم أنظار القرّاء وخاصة المختصين منهم في الأزياء إلى ضرورة دراسة هذا الزّي ومعرفة مدى الاستفادة منه بإعادة تطويره كزيّ عملي للمرأة سواء في البيت أو في العمل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق